فصل: بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِي التَّقْلِيسِ فِي الأَعْيَادِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بيان مشكل الآثار **


بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم مِنْ قَوْلِهِ إنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ رِجَالٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ‏:‏ إنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ‏,‏ وَإِنَّ السَّنَةَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ‏:‏ ثَلاَثَةٌ وِلاَءٌ‏:‏ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ‏,‏ وَالآخِرُ رَجَبٌ بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ‏.‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ رِجَالٍ قَالَ‏:‏ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ قَرَأْت عَلَى ابْنِ نَافِعٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ قَالَ‏:‏ خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي إسْنَادِهِ بَعْدَ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ أَحَدًا‏.‏

وَحَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ‏:‏ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً حَرْفًا بِحَرْفٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ‏.‏

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ الْحَسَنِ الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مَسْعُودٍ الْجَحْدَرِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ‏:‏ كَانَتْ الْعَرَبُ يَجْعَلُونَ عَامًا شَهْرًا وَعَامًا شَهْرَيْنِ فَلاَ يُصِيبُونَ الْحَجَّ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ إِلاَّ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً مَرَّةً‏,‏ وَهُوَ النَّسِيءُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ فَلَمَّا حَجَّ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ وَافَقَ ذَلِكَ الْعَامُ الْحَجَّ فَسَمَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْحَجَّ الأَكْبَرَ وَحَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ الأَهِلَّةَ فَقَالَ‏:‏ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَر ٍ‏:‏ فَفِي حَدِيثِ جَعْفَرٍ هَذَا الَّذِي رَدَّهُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَمَا قَدْ دَلَّ عَلَى اسْتِدَارَةِ الزَّمَانِ حَتَّى صَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ‏,‏ وَفِيهِ الْمَعْنَى الْمُرَادُ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ‏}‏ أَنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏"‏ الأَكْبَرِ ‏"‏ فِي هَذِهِ الآيَةِ إنَّمَا هُوَ نَعْتٌ لِلْحَجِّ لاَ لِمَا سِوَاهُ مِمَّا قَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ فَقَالَ‏:‏ بَعْضُهُمْ إنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ‏,‏ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَدْ رَوَوْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ قَالَ‏:‏ أَنْبَأَ ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ يَعْنِي‏:‏ ابْنَ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ خُطْبَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ وَفِيهَا أَيُّ يَوْمٍ يَوْمُكُمْ هَذَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ ثُمَّ قَالَ‏:‏ أَلَيْسَ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ‏.‏

وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا دُحَيْمُ بْنُ الْيَتِيمِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَئِذٍ إنَّ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ‏.‏

وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْخَطَّابُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلُهُ‏.‏

وَقَالَ‏:‏ بَعْضُهُمْ إنَّ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ يَوْمُ عَرَفَةُ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَعَهُمْ رِوَايَةٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم‏,‏ وَإِنَّمَا رَوَوْهُ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى وَمَعْنَى مَا فِي حَدِيثَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ مَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الَّذِي رَوَيْنَاهُ فِيهِ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ نَعْتٌ لِلْحَجِّ لاَ لِلْيَوْمِ حَتَّى تَصِحَّ مَعَانِي هَذِهِ الآثَارِ وَتَتَّفِقَ‏,‏ وَلاَ يُخَالِفَ بَعْضُهَا بَعْضًا‏.‏

فَقَالَ‏:‏ قَائِلٌ فَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يُخَالِفُ هَذَا‏.‏

فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ الْبَهْرَانِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فِيمَنْ يُؤَذِّنُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى أَنْ لاَ يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ‏,‏ وَلاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ وَيَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ‏,‏ وَالْحَجُّ الأَكْبَرُ الْحَجُّ‏,‏ وَإِنَّمَا قِيلَ‏:‏ الْحَجُّ الأَكْبَرُ مِنْ قِيلَ النَّاسِ‏:‏ الْحَجُّ الأَصْغَرُ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ‏.‏

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا قَدْ تَحَقَّقْنَا أَنَّهُ مِنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ مُخَالِفٍ لِ مَا قَدْ رَوَيْنَاهُ قَبْلَهُ فِي هَذَا الْبَابِ إذْ كَانَ قَوْلُهُ وَيَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ الأَكْبَرِ نَعْتًا لِلْحَجِّ لاَ لِلْيَوْمِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الَّذِي رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ‏,‏ وَيَكُونُ الْيَوْمُ مُضَافًا إلَيْهِ حَتَّى تَصِحَّ هَذِهِ الآثَارُ كُلُّهَا لاَ يُضَادُّ شَيْءٌ مِنْهَا شَيْئًا ثُمَّ قَالَ‏:‏ هَذَا الْقَائِلُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ‏,‏ وَإِنَّمَا قِيلَ الْحَجُّ الأَكْبَرُ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ النَّاسِ الْحَجُّ الأَصْغَرُ‏.‏

فَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ فِيمَا ذَكَرَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا قِيلَ لِلْحَجِّ الَّذِي كَانَ عَامَئِذٍ الْحَجُّ الأَكْبَرُ الْقَوْلُ الَّذِي كَانَ النَّاسُ يَقُولُونَهُ الْحَجُّ الأَصْغَرُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَهَذَا خِلاَفُ مَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الَّذِي رَوَيْتُمُوهُ‏.‏

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ النَّاسِ الْحَجُّ الأَصْغَرُ لاَ يُدْرَى مَا هُوَ‏؟‏‏,‏ وَلاَ عَنْ مَنْ حُكِيَ مِنْ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ‏؟‏ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلاَمِ الزُّهْرِيِّ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرًا يَخْلِطُ كَلاَمَهُ بِالْحَدِيثِ فَيُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مِنْهُ وَلَيْسَ هُوَ مِنْهُ‏,‏ وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ‏:‏ افْصِلْ كَلاَمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ كَلاَمِك‏,‏ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْكَلاَمُ يَحْتَمِلُ مَا قَدْ ذَكَرْنَا كَانَ مَا قَدْ رَوَيْنَاهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ حَقِيقَةِ الْمَعْنَى كَانَ فِي ذَلِكَ أَوْلَى مِنْهُ‏,‏ وَكَانَ مَا قَالَ‏:‏ مِنْ ذَلِكَ مَعْقُولاً إذَا كَانَ الْحَجُّ بَعْدَ اسْتِدَارَةِ الزَّمَانِ رَجَعَ إلَى شَهْرٍ بِعَيْنِهِ يَجْرِي عَلَيْهِ حَجُّ النَّاسِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَكَانَ ذَلِكَ إمَامًا لَهُمْ‏;‏ كَانَ الأَكْبَرُ مِنْ الْحَجِّ الَّذِي يَرْجِعُ إلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الْحَجِّ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ قُدْوَةِ أَهْلِهِ لِمَا فِيهِ وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ وَجَبَ لَهُ مَا قَالَهُ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم مِنْ قَوْلِهِ لاَ يُلْدَغُ مُؤْمِنٌ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ

حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَّةَ بْنِ أَبِي خَلِيفَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلاَمَةَ الأَزْدِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ وَأَيُّوبُ بْنُ سُوَيْد عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ‏:‏ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ فِي حَدِيثِ أَيُّوبَ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ‏.‏

وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَزِيزٍ الأَيْلِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلاَمَةُ بْنُ رَوْحٍ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ يَعْنِي‏:‏ الزُّهْرِيَّ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ‏.‏

وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ‏:‏ أَنْبَأَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَر ٍ‏:‏ فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَوَجَدْنَا كُلَّ مَنْ حَدَّثَنَاهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَمِنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ إنَّمَا حَدَّثُونَاهُ‏:‏ لاَ يُلْدَغْ مُؤْمِنٌ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ وَيَجْزِمُونَ ‏"‏ يُلْدَغْ ‏"‏ فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى ظَاهِرِهِ‏,‏ إنَّمَا هُوَ عَلَى الأَمْرِ‏,‏ وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ قَوْمٌ جَعَلُوا مَعْنَاهُ أَلَّا تُثَنَّى عَلَى مُؤْمِنٍ عُقُوبَةٌ فِي ذَنْبٍ أَتَاهُ‏,‏ وَذَلِكَ أَنَّ الْجَزْمَ إذَا وَقَعَ فِي هَذَا كَانَ وَجْهُهُ الأَمْرَ لاَ مَا سِوَاهُ‏,‏ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏كَلًّا لاَ تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ‏}‏ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا‏}‏ فِي أَمْثَالٍ‏,‏ لِهَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ وَقَدْ أَبَى ذَلِكَ قَوْمٌ عَلَى قَائِلِيهِ وَقَالُوا‏:‏ أَصْلُ الْحَدِيثِ لاَ يُلْدَغُ مُؤْمِنٌ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ بِلَفْظِ ‏"‏ يُلْدَغُ ‏"‏ وَجَعَلُوا ذَلِكَ مِنْ الْخَبَرِ كَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى‏}‏ وَكَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا‏}‏ وَكَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏لاَ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً‏}‏ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْخَبَرِ بِاسْتِعْمَالِ الرَّفْعِ فِيهِ‏.‏

وَقَالُوا مُحْتَجِّينَ عَلَى أَهْلِ الْمَقَالَةِ الآُولَى لَوْ كَانَ التَّأْوِيلُ كَمَا ذَكَرْتُمْ لَمَا احْتَاجَ صلى الله عليه وسلم إلَى الْقَصْدِ بِذَلِكَ إلَى الْمُؤْمِنِ‏;‏ لأَنَّ الْكَافِرَ لاَ تُثَنَّى عَلَيْهِ عُقُوبَةُ ذَنْبِهِ وَلأَنَّ الْمُنَافِقَ أَيْضًا كَذَلِكَ لاَ تُثَنَّى عَلَيْهِ عُقُوبَةُ ذَنْبِهِ‏,‏ وَإِنَّمَا قَصَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الْقَوْلِ إلَى الْمُؤْمِنِ‏;‏ لأَنَّهُ يُبَيِّنُ فِيهِ بِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي سِوَى الْمُنَافِقِ وَسِوَى الْكَافِرِ‏;‏ لأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْهُ الذَّنْبُ أَحْزَنَهُ ذَلِكَ وَخَافَ غِبَّهُ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِتَرْكِ عَوْدِهِ فِيهِ أَبَدًا فَقَالَ‏:‏ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِذَلِكَ إنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ أَيْ لاَ يُذْنِبُ ذَنْبًا يَخَافُ عُقُوبَتَهُ ثُمَّ يَعُودُ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ‏,‏ وَجَعَلُوا مَعْنَى قَوْلِهِ إنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ بِمَعْنَى قَوْلِهِ إنَّ الْمُؤْمِنَ لَيْسَ يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ وَكَذَلِكَ هِيَ فِيمَا تَلَوْنَا مِنْ الآيِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى إنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى لَيْسَ‏,‏ وَهَذَا عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَشْبَهُ الْوَجْهَيْنِ بِالْمَعْنَى فِي هَذَا الْبَابِ وَقَدْ سَمِعْت يُونُسَ يَقُولُ بَعْدَ أَنْ حَدَّثَنَا هَذَا الْحَدِيثَ قُلْت لاِبْنِ وَهْبٍ مَا تَفْسِيرُهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ الرَّجُلُ يَقَعُ فِي الشَّيْءِ يَكْرَهُهُ فَلاَ يَعُودُ فِيهِ فَكَانَ هَذَا مُجْمَلاً مِنْ ابْنِ وَهْبٍ وَمَعْنَاهُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي مِلْنَا إلَيْهِ وَهُوَ إنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَرَهُ بِإِعْرَابِهِ فَقَدْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ مَعْنَاهُ الْمَعْنَى الَّذِي يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ إعْرَابُهُ الرَّفْعَ لاَ الْجَزْمَ‏.‏

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَيْضًا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ التَّوْبَةَ الَّتِي أَمَرَ بِهَا الْمُؤْمِنِينَ مِنْ عِبَادِهِ فَقَالَ‏:‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا‏.‏

فَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ عَنْ إسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ عَنْ سِمَاكٍ وَهُوَ ابْنُ حَرْبٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْت النُّعْمَانَ وَهُوَ ابْنُ حُمَيْدٍ يَقُولُ سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَقُولُ التَّوْبَةُ النَّصُوحُ أَنْ يَجْتَنِبَ الرَّجُلُ الْعَمَلَ السُّوءَ كَانَ يَعْمَلُهُ يَتُوبُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ ثُمَّ لاَ يَعُودُ فِيهِ أَبَدًا فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ دَلَّك عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّدَمِ أَنَّهُ تَوْبَةٌ‏.‏

كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي زِيَادُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ قَالَ‏:‏ دَخَلْت مَعَ أَبِي عَلِيٍّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ‏:‏ لَهُ أَبِي أَأَنْتَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ النَّدَمُ تَوْبَةٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

وَكَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ‏:‏ وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

فَكَانَ النَّدَمُ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ مِنْ الْعَوْدِ إلَى مِثْلِهِ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم مِنْ قَوْلِهِ إنَّ النَّاسَ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لاَ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً

حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ جَمِيعًا قَالاَ‏:‏ ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ‏:‏ سَمِعْت النُّعْمَانَ بْنَ رَاشِدٍ يُحَدِّثُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ إنَّمَا النَّاسُ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لاَ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً‏.‏

حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ‏:‏ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ الْمِائَةِ لاَ يَكَادُ يُرَى فِيهَا رَاحِلَةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ‏:‏ أَنْبَأَ سُوَيْد بْنُ نَصْرٍ قَالَ‏:‏ أَنْبَأَ عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي‏:‏ ابْنَ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ‏:‏ أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَر ٍ‏:‏ فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَ‏:‏ الْقَوْلَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِيهِ فَكَانَ ظَاهِرُهُ عُمُومَهُ النَّاسَ جَمِيعًا بِهِ‏,‏ غَيْرَ أَنَّا عَقَلْنَا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُرِدْهُمْ جَمِيعًا بِهِ‏;‏ لأَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَحْمِلُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْهُمْ مَا يَحْمِلُهُ الْمَحْمُودُونَ مِنْ النَّاسِ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ مِنْهُمْ مِمَّنْ يَكُونُ فِي جُمْلَةِ ذَلِكَ عَنْهُمْ‏,‏ كَمَثَلِ الرَّوَاحِلِ الَّتِي تَبِينُ بِمَا يُحْمَلُ عَنْ مَا سِوَاهَا مِنْ الإِبِلِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ الرَّوَاحِلِ الَّتِي تَحْمِلُ‏,‏ فَقَالَ قَائِلٌ‏:‏ أَفِي جَوَازِ هَذَا فِي اللُّغَةِ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ يَجْرِي عَلَى ذِكْرِ النَّاسِ يُرَادُ بِهِ خَاصًّا مِنْهُمْ دُونَ بَقِيَّتِهِمْ‏.‏

قِيلَ لَهُ نَعَمْ هَذَا جَائِزٌ فِيهَا قَالَ‏:‏ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَكَانَ فِي ذَلِكَ ذِكْرُهُ عَزَّ وَجَلَّ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ بِالنَّاسِ وَذِكْرُهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُخْبِرَ عَنْهُمْ بِالْجَمْعِ أَيْضًا بِالنَّاسِ‏,‏ وَهُنَاكَ نَاسٌ آخَرُونَ وَهُمْ الْمَقُولُ لَهُمْ ذَلِكَ الْقَوْلُ وَلَمَّا كَانَ مَا ذَكَرْنَا جَائِزًا فِي اللُّغَةِ كَمَا وَصَفْنَا جَازَ فِيهَا أَيْضًا أَنْ يَكُونَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّاسُ كَإِبِلٍ مِائَةٍ يُرِيدُ بِهِ خَاصًّا مِنْ النَّاسِ وَهُمْ الَّذِينَ لاَ غَنَاءَ مَعَهُمْ‏,‏ وَلاَ مَنْفَعَةَ عِنْدَهُمْ لِمَنْ سِوَاهُمْ مِنْ النَّاسِ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لَيْسَ فِيهَا رَاحِلَةٌ تَحْمِلُ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَى حَمْلِهِ عَنْهُمْ‏,‏ وَتَكُونُ الإِبِلُ الَّتِي لاَ رَاحِلَةَ فِيهَا كَالنَّاسِ الَّذِينَ لاَ مَنْفَعَةَ عِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمٍ يُؤْخَذُ عَنْهُمْ‏,‏ وَلاَ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ بَعْضُ النَّاسِ إلَيْهِ مِنْ بَعْضٍ وَفِي النَّاسِ سِوَاهُمْ بِحَمْدِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ مَنْ هُوَ فِي هِدَايَةِ النَّاسِ لِرُشْدِهِمْ وَفِي تَعْلِيمِهِمْ إيَّاهُمْ أَمْرَ دِينِهِمْ وَفِي تَسْدِيدِهِمْ لَهُمْ فِي أُمُورِهِمْ وَفِي حَمْلِ الْكُلِّ عَنْهُمْ كَثِيرٌ‏,‏ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ بِأَلْفَاظٍ سِوَى هَذِهِ الأَلْفَاظِ الَّتِي رُوِيَ بِهَا هَذَا الْحَدِيثُ‏.‏

كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَنْبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ النَّاسُ كَالإِبِلِ الْمِائَةِ هَلْ تَرَى فِيهَا رَاحِلَةً أَوْ مَتَى تَرَى فِيهَا رَاحِلَةً قَالَ‏:‏ وَقَالَ‏:‏ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ نَعْلَمُ شَيْئًا خَيْرًا مِنْ مِائَةٍ مِثْلِهِ إِلاَّ الْمُؤْمِنَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَر ٍ‏:‏ وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ كَمَعْنَى مَا رَوَيْنَاهُ قَبْلَهُ فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ‏.‏

وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم هَلْ تَرَى فِيهَا رَاحِلَةً أَوْ مَتَى تَرَى فِيهَا رَاحِلَةً مِمَّا قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى النَّفْيِ أَنْ تَرَى فِيهَا رَاحِلَةً أَوْ تَجِدَ فِيهَا رَاحِلَةً أَوْ عَلَى الْوُجُودِ لِذَلِكَ فِي الْوَقْتِ الْبَعِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ وَإِيَّاهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِي السَّبَبِ الَّذِي فِيهِ أُنْزِلَتْ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ‏}

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ إنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَقَالَ‏:‏ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَمَا اسْتَطَعْتُمْ ثُمَّ قَالَ‏:‏ ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَانْتَهُوا عَنْهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ وَأَحْمَدُ بْنُ دَاوُد بْنِ مُوسَى قَالاَ‏:‏ ثنا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ الْكُوفِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ الْهَجَرِيِّ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ ‏{‏وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ‏}‏ قَالَ رَجُلٌ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلَّ عَامٍ‏؟‏ فَسَكَتَ فَعَادَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ‏,‏ كُلُّ ذَلِكَ يَسْكُتُ عَنْهُ فَقَالَ‏:‏ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ قُلْت كُلَّ عَامٍ لَوَجَبَتْ‏,‏ وَلَوْ تَرَكْتُمُوهَا لَكَفَرْتُمْ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْغَمْرِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ يَحْيَى أَبُو مُطِيعٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْت أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ يَقُولُ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ فَقَالَ‏:‏ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الأَعْرَابِ فَقَالَ‏:‏ فِي كُلِّ عَامٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَعَلَنَ كَلاَمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَسْكَتَ وَاسْتَغْضَبَ فَمَكَثَ طَوِيلاً ثُمَّ تَكَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ مَنْ هَذَا السَّائِلُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ الأَعْرَابِيُّ أَنَا فَقَالَ‏:‏ وَيْحَكَ مَا يُؤْمِنُكَ أَنْ أَقُولَ نَعَمْ‏,‏ وَاَللَّهِ لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ‏,‏ وَلَوْ وَجَبَتْ لَكَفَرْتُمْ أَلاَ إنَّهُ إنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَئِمَّةُ الْحَرَجِ وَاَللَّهِ لَوْ أَنِّي أَحْلَلْت لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ وَحَرَّمْت عَلَيْكُمْ مِنْهَا مَوْضِعَ خُفِّ بَعِيرٍ لَوَقَعْتُمْ فِيهِ قَالَ‏:‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ‏}‏ إلَى آخِرِ الآيَةِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَر ٍ‏:‏ فَفِيمَا رَوَيْنَا أَنَّ نُزُولَ هَذِهِ الآيَةِ كَانَ فِي السَّبَبِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الآثَارِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا فِيهِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا كَانَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ‏.‏

كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَضْبَانَ قَدْ احْمَرَّ وَجْهُهُ فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ‏:‏ لاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ حَدَّثْتُكُمْ فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ‏:‏ أَيْنَ أَبِي‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ فِي النَّارِ فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبِي‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَبُوكَ أَبُو حُذَافَةَ‏,‏ كَذَا قَالَ‏,‏ وَالصَّوَابُ‏:‏ أَبُوكَ حُذَافَةُ فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَالَ‏:‏ رَضِينَا بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَشِرْكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَنْ آبَاؤُنَا‏.‏

قَالَ‏:‏ فَسَكَنَ غَضَبُهُ وَنَزَلَتْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ‏.‏

وَكَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمْ سَأَلُوا نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ فَخَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ‏:‏ لاَ تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ أُرَاهُ قَالَ‏:‏ عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ وَأَشْفَقَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْ أَمْرٍ قَدْ حَضَرَ فَجَعَلْت لاَ أَلْتَفِتُ يَمِينًا‏,‏ وَلاَ شِمَالاً إِلاَّ وَجَدْت كُلَّ رَجُلٍ لاَفًّا رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي قَالَ‏:‏ فَأَنْشَأَ رَجُلٌ كَانَ يُلاَحَى فَيُدْعَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ فَقَالَ‏:‏ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَنْ أَبِي‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَبُوكَ حُذَافَةُ ثُمَّ قَامَ عُمَرُ أَوْ قَالَ‏:‏ ثُمَّ أَنْشَأَ عُمَرُ فَقَالَ‏:‏ رَضِينَا بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا عَائِذًا بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ الْفِتَنِ أَوْ قَالَ‏:‏ أَعُوذُ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ شَرِّ الْفِتَنِ وَقَالَ‏:‏ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ قَطُّ صُوِّرَتْ لِي الْجَنَّةُ وَالنَّارُ حَتَّى رَأَيْتُهُمَا دُونَ الْحَائِطِ‏.‏

كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ بِمِثْلِهِ قَالَ‏:‏ فَكَانَ قَتَادَةَ يَذْكُرُ هَذَا الْحَدِيثَ إذَا سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَر ٍ‏:‏ فَفِي هَذِهِ الآثَارِ أَنَّ نُزُولَ هَذِهِ الآيَةِ كَانَ فِي الأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ فِيهَا فَقَالَ‏:‏ قَائِلٌ هَذِهِ آثَارٌ تُضَادُّ الآثَارَ الآُوَلَ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نُزُولُ هَذِهِ الآيَةِ كَانَ فِي هَذَيْنِ السَّبَبَيْنِ جَمِيعًا‏,‏ وَلاَ نَجِدُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوْضِعَيْنِ‏,‏ وَلَوْ كَانَتْ نَزَلَتْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ السَّبَبَيْنِ لَكَانَتْ مَذْكُورَةً مِنْهُ فِي مَوْضِعَيْنِ كَمَا كَانَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ‏}‏ الآيَةَ، مَذْكُورًا فِي مَوْضِعَيْنِ إذْ كَانَتْ نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ‏;‏ لأَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ غَيْرُ مَنْ أُرِيدَ بِهَا فِي الْمَوْضِعِ الآخَرِ مِنْهُمَا‏.‏

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّهُ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ السُّؤَالاَتُ الْمَذْكُورَاتُ فِي هَذَيْنِ الْفَصْلَيْنِ مِنْ هَذَا الْبَابِ قَدْ كَانَتْ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ هَذِهِ الآيَةَ نَهْيًا لَهُمْ عَنْ هَذِهِ السُّؤَالاَتِ وَإِعْلاَمًا لَهُمْ أَنَّهُ لاَ حَاجَةَ لَهُمْ فِي الْجَوَابَاتِ عَنْهَا بِحَقَائِقِ أُمُورِهَا الَّتِي أُرِيدَتْ بِهَا إذْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا إذَا سَمِعُوهُ سَاءَهُمْ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَ بِهِ مَا لاَ مَنْفَعَةَ لَهُمْ فِيهِ وَمِمَّا لَوْ جَهِلُوهُ لَمْ يَضُرَّهُمْ وَإِنَّمَا الْمَنْفَعَةُ بِالسُّؤَالاَتِ اسْتِعْلاَمُ الْفَرَائِضِ عَلَيْهِمْ فِي دِينِهِمْ وَمَا يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ فَذَلِكَ الْعِلْمُ الَّذِي يَنْفَعُهُمْ‏,‏ وَاَلَّذِي إذَا جَهِلُوهُ ضَرَّهُمْ فَعَلَيْهِمْ السُّؤَالُ عَنْهُ حَتَّى يَعْلَمُوهُ‏.‏

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا كَرِهَ مِنْهُمْ السُّؤَالاَتِ عَنْ مَا لاَ مَنْفَعَةَ لَهُمْ فِيهِ وَعَنْ مَا إذَا عَلَمُوهُ سَاءَهُمْ لاَ عَنْ مَا سِوَاهُ مِنْ أُمُورِ دِينِهِمْ الَّتِي بِهِمْ الْحَاجَةُ إلَى عِلْمِهَا حَتَّى يُؤَدُّوا الْمَفْرُوضَ فِيهَا عَلَيْهِمْ وَحَتَّى يَتَقَرَّبُوا إلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا يُقَرِّبُهُمْ إلَيْهِ مِنْهَا مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مِمَّا قَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ يُوسُفَ بْنَ يَزِيدَ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الأَزْرَقُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ أَبُو جَعْفَر ٍ‏:‏ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِكْرَزٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ‏:‏ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَك عَنْ أَمْرٍ وَيَمْنَعُنِي مَكَانُ هَذِهِ الآيَةِ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا هُوَ يَا مُعَاذُ قُلْت‏:‏ الْعَمَلُ الَّذِي يُدْخِلُ الْجَنَّةَ وَيُنْجِي مِنْ النَّارِ قَالَ‏:‏ قَدْ سَأَلْت عَظِيمًا وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَحَجُّ الْبَيْتِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَر ٍ‏:‏ أَفَلاَ تَرَى أَنَّ مُعَاذًا لَمَّا ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ تَمْنَعُهُ مِنْ سُؤَالِهِ إيَّاهُ عَنْ شَيْءٍ يَحْتَاجُ إلَى الْوُقُوفِ عَلَيْهِ فَلَمَّا وَقَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الأَشْيَاءِ الَّتِي تُكْرَهُ مَعْرِفَتُهَا‏,‏ وَالْمَسْأَلَةُ عَنْهَا أَجَابَهُ عَنْهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الأَشْيَاءَ الْمَنْهِيَّ عَنْ السُّؤَالِ عَنْهَا بِمَا فِي الآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَا هِيَ الأَشْيَاءُ الَّتِي لاَ دَرْكَ لَهُمْ فِي عِلْمِهَا‏,‏ وَلاَ ثَوَابَ لَهُمْ فِيهَا وَأَنَّ الأَشْيَاءَ الَّتِي تُوَصِّلُ إلَى الثَّوَابِ عَلَيْهَا وَإِلَى الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مِنْ أَجْلِهَا لَيْسَتْ بِدَاخِلَةٍ فِي الْمُرَادِ بِهَذِهِ الآيَةِ‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ كَانَ نُزُولُ هَذِهِ الآيَةِ خِلاَفَ هَذِهِ الْمَعَانِي كُلِّهَا‏.‏

وَهُوَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ ابْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي هَذِهِ الآيَةِ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ فِي الرَّجُلِ الَّذِي سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَبِي قَالَ‏:‏ وَأَمَّا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فَقَالَ‏:‏ هِيَ فِي الَّذِينَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَأَمَّا مِقْسَمٌ فَقَالَ‏:‏ هِيَ فِيمَا سَأَلَتْ الآُمَمُ أَنْبِيَاءَهُمْ مِنْ الآيَاتِ قَالَ‏:‏ وَمَعْنَى مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَدْ وَافَقَ بَعْضَ مَا قَدْ تَقَدَّمَتْ رِوَايَتُنَا لَهُ فِي هَذَا الْبَابِ‏.‏

وَأَمَّا مَا رُوِيَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَمَعْنَاهُ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ جِنْسِ الْمَعَانِي الَّتِي رَوَيْنَاهَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي هَذَا الْبَابِ‏;‏ لأَنَّ الَّذِينَ كَانُوا يَفْعَلُونَ الأَشْيَاءَ الَّتِي كَانُوا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهَا مِنْ تِلْكَ الْمَعَانِي كَانُوا أَبْنَاء السَّامِعِينَ لِلْجَوَابَاتِ عَنْهَا وَكَانَ بَعْضُ مَنْ يَحْضُرُهُ سِوَاهُمْ أَبْنَاءً لِبَعْضِ الْفَاعِلِينَ لَهَا الْمُخْبِرِ بِمَوْضِعِهِمْ مِنْهَا‏.‏

كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ رَأَيْت عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْخُزَاعِيُّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السُّيَّبَ قَالَ‏:‏ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَالسَّائِبَةُ الَّتِي كَانَتْ تُسَيَّبُ فَلاَ يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَالْبَحِيرَةُ الَّتِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ فَلاَ يَحْلُبُهَا أَحَدٌ وَالْوَصِيلَةُ النَّاقَةُ الْبِكْرُ تُبَكِّرُ فِي أَوَّلِ نِتَاجِ الإِبِلِ بِأُنْثَى ثُمَّ تُثَنِّي بِأُنْثَى فَكَانُوا يُسَمُّونَهَا لِلطَّوَاغِيتِ يَدْعُونَهَا الْوَصِيلَةَ الَّتِي وَصَلَتْ إحْدَاهُمَا بِالآُخْرَى وَالْحَامِي فَحْلُ الإِبِلِ يَضْرِبُ الْعَشْرَ مِنْ الإِبِلِ فَإِذَا قَضَى ضِرَابَهُ يَدَعُونَهُ لِلطَّوَاغِيتِ وَأَعْفَوْهُ مِنْ الْحَمْلِ فَلَمْ يَحْمِلُوا عَلَيْهِ شَيْئًا وَسَمَّوْهُ الْحَامِيَ‏.‏

وَكَمَا سَمِعْت يُونُسَ يَقُولُ ثنا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ وَكَانُوا يَجْعَلُونَ عَلَيْهِ رِيشَ الطَّوَاوِيسِ قَالَ أَبُو جَعْفَر ٍ‏:‏ فَكَانَ الْمُضَافَةُ إلَيْهِ هَذِهِ الأَشْيَاءُ الَّتِي كَانُوا يَسْأَلُونَ عَنْهَا قَدْ يَكُونُ جَدَّ السَّائِلِ عَنْهَا أَوْ يَكُونُ مِمَّنْ يَلْحَقُ سَمْعَهُ الْجَوَابَاتُ عَنْهَا فَيَسُوءُهُ ذَلِكَ فَدَخَلَ ذَلِكَ فِيمَا نُهُوا عَنْهُ بِهَذِهِ الآيَةِ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم مِنْ قَوْلِهِ لاَ تَقُولُوا لِلْعِنَبِ الْكَرْمُ وَلَكِنْ قُولُوا حَدَائِقُ الأَعْنَابِ

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ قَالَ‏:‏ أَنْبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ لاَ تَقُولُوا الْكَرْمُ فَإِنَّمَا الْكَرْمُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ‏,‏ وَلَكِنْ قُولُوا حَدَائِقُ الأَعْنَابِ‏.‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ‏:‏ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ فَإِنَّمَا الْكَرْمُ الْمُؤْمِنُ‏,‏ وَلَكِنْ قُولُوا الْحَبَلَةُ حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ لاَ تَقُولُوا الْكَرْمُ لِلْعِنَبِ‏,‏ وَلَكِنْ قُولُوا الْحَبَلَةُ أَوْ الْحَبَلُ‏.‏

فَقَالَ‏:‏ قَائِلٌ كَيْفَ تَقْبَلُونَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ وَفَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالاَ‏:‏ ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ قَالَ‏:‏ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ صَدَقَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الزَّرْعِ أَوْ النَّخْلِ أَوْ الْكَرْمِ حَتَّى تَكُونَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَلاَ فِي الْوَرِقِ حَتَّى يَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ قَالَ‏:‏ فَفِي هَذَا ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَائِقَ الأَعْنَابِ بِالْكَرْمِ فَكَيْفَ يَجُوزُ لَكُمْ أَنْ تَقْبَلُوا عَنْهُ أَنَّهُ قَدْ قَالَ‏:‏ مَا نَهَى أَنْ يُقَالَ‏:‏‏؟‏ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَسْمِيَةِ الْحَدَائِقِ الْكَرْمَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَنْهَى عَمَّا نَهَى عَنْهُ فِي الآثَارِ الآُخَرِ ثُمَّ نَهَى عَمَّا نَهَى عَنْهُ فِي الآثَارِ الآُخَرِ فَعَادَ الْحُكْمُ إلَى مَا فِي الآثَارِ الآُخَرِ‏;‏ لأَنَّ الأَشْيَاءَ مَا لَمْ يُنْهَ عَنْهَا كَانَتْ طَلْقًا مِنْ الأَقْوَالِ وَمِنْ الأَفْعَالِ فَإِذَا نُهِيَ عَنْهَا عَادَتْ إلَى الْحَظْرِ وَإِلَى الْمَنْعِ مِنْ فِعْلِهَا وَمِنْ قَوْلِهَا‏,‏ وَقَدْ وَجَدْنَا كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَاءَ بِتَسْمِيَةِ الأَعْنَابِ بِالاِسْمِ الَّذِي فِي آثَارِ النَّهْيِ وَهِيَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏وَحَدَائِقَ غُلْبًا‏}‏ وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِي التَّقْلِيسِ فِي الأَعْيَادِ

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَارِثِ الأَزْدِيُّ الْبَاغَنْدِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ‏:‏ شَهِدْت عِيدًا بِالأَنْبَارِ فَقُلْت لَهُمْ مَا لِي لاَ أَرَاكُمْ تُقَلِّسُونَ كَمَا كَانُوا يُقَلِّسُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْهَرَوِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا آدَم بْنُ أَبِي إيَاسٍ قَالَ‏:‏ أَنْبَأَ شَيْبَانُ وَإِسْرَائِيلُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ مَا كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ إِلاَّ قَدْ رَأَيْتُهُ يُعْمَلُ بَعْدَهُ إِلاَّ شَيْئًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ كَانَ يُقَلَّسُ يَوْمَ الْفِطْرِ يَعْنِي يُلْعَبُ قَالَ أَبُو جَعْفَر ٍ‏:‏ فَكَانَ مَا رَوَيْنَا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ مُطْلَقًا لاَ يُذْكَرُ سَمَاعٌ لَهُ إيَّاهُ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ وَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَذْكُورًا فِيهِ سَمَاعُهُ إيَّاهُ مِمَّنْ يُحَدِّثُ بِهِ عَنْهُ وَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَ مَنْ يَمِيلُ إلَيْهِ فَكَيْفَ عِنْدَ مَنْ يَنْحَرِفُ عَنْهُ وَذَلِكَ أَنِّي سَمِعْت فَهْدَ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ سَمِعْت أَبَا نُعَيْمٍ يَقُولُ قَالَ‏:‏ سُفْيَانُ كُلُّ مَا قَالَ‏:‏ لَك فِيهِ جَابِرٌ سَمِعْتُ أَوْ حَدَّثَنِي أَوْ أَخْبَرَنِي فَاشْدُدْ بِهِ يَدَيْك وَمَا كَانَ سِوَى ذَلِكَ فَفِيهِ مَا فِيهِ‏.‏

وَقَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ الْكُوفِيُّ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عِيَاضٍ الأَشْعَرِيِّ قَالَ‏:‏ شَهِدْت عِيدًا بِالأَنْبَارِ فَقُلْت مَا لِي لاَ أَرَاكُمْ تُقَلِّسُونَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَر ٍ‏:‏ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ رَدُّ الشَّعْبِيِّ إيَّاهُ إلَى عِيَاضٍ الأَشْعَرِيِّ وَعِيَاضٌ هَذَا رَجُلٌ مِنْ التَّابِعِينَ فَعَادَ الْحَدِيثُ بِهِ إلَى أَنْ صَارَ مُنْقَطِعًا وَكَانَ أَوْلَى مِمَّا رَوَيْنَاهُ قَبْلَهُ فِي هَذَا الْبَابِ‏;‏ لأَنَّ مُغِيرَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَثْبَتُ مِنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَإِنْ كَانَ الشَّعْبِيُّ قَدْ حَدَّثَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ بِغَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا الْبَاغَنْدِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ‏:‏ أَتَيْت الْحِيرَةَ قَالَ‏:‏ فَرَأَيْتهمْ يَسْجُدُونَ لِمَرْزُبَانٍ لَهُمْ وَسَقَطَ كَلاَمٌ وَهُوَ فَلَمَّا قَدِمْت عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَتَيْتُ الْحِيرَةَ فَرَأَيْتهمْ يَسْجُدُونَ لِمَرْزُبَانٍ لَهُمْ فَقُلْت رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَهُ فَقَالَ‏:‏ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَوْ أَمَرْت شَيْئًا أَنْ يَسْجُدَ لِشَيْءٍ لاََمَرْت النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لأَزْوَاجِهِنَّ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَر ٍ‏:‏ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ مُتَأَخِّرُ الْوَفَاةِ لَيْسَ بِمُسْتَنْكَرٍ لُقِيُّ الشَّعْبِيِّ إيَّاهُ‏.‏

ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ صَاحِبُ الْوَاقِدِيِّ فِي كِتَابِهِ فِي الطَّبَقَاتِ قَالَ‏:‏ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ فِي آخِرِ خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ‏.‏

وَأَمَّا التَّقْلِيسُ فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ فَلاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَبَيْنَ مَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ يُؤْخَذُ مِثْلُ هَذَا عَنْهُ أَنَّهُ اللَّعِبُ وَاللَّهْوُ اللَّذَانِ لَيْسَا بِمَكْرُوهَيْنِ كَمَثَلِ مَا أُطْلِقَ فِي الأَعْرَاسِ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ مَا يُفْعَلُ فِي الأَعْيَادِ وَفِي الأَعْرَاسِ مِنْهُمَا مُخْتَلِفَيْنِ وَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّمَا هُوَ لِيَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ أَنَّ فِي دِينِ الإِسْلاَمِ سَمَاحَةً‏.‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ قَائِلٌ كَيْفَ تَقْبَلُونَ هَذَا وَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يُخَالِفُهُ فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ‏:‏ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا‏:‏ يَوْمُ الْفِطْرِ وَيَوْمُ الأَضْحَى‏.‏

وَكَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

قِيلَ لَهُ مَا فِي هَذَا مَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَهُ‏;‏ لأَنَّ الَّذِي أَخْبَرَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ إبْدَالُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إيَّاهُمْ بِالْيَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ كَانُوا يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ‏.‏

وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَعْنِي أَرَادَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا فِيهِمَا مِنْ اللَّعِبِ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي ذَيْنِكَ الْيَوْمَيْنِ مِنْ اللَّعِبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَذَلِكَ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى اللَّعِبِ الْمُبَاحِ مِثْلُهُ لاَ عَلَى اللَّعِبِ الْمَحْظُورِ مِثْلُهُ كَمَا قَدْ أُبِيحَ لَهُمْ فِي أَعْرَاسِهِمْ اللَّعِبُ الَّذِي أُبِيحَ لَهُمْ فِيهَا‏.‏

كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد جَمِيعًا قَالاَ‏:‏ ثنا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ قَائِمًا ثُمَّ يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ قَائِمًا خُطْبَتَيْنِ فَكَانَ الْجَوَارِي إذَا نُكِحُوا يَمُرُّونَ بِالْكَبَرِ وَالْمَزَامِيرِ فَيَشْتَدُّ النَّاسُ وَيَدَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا فَعَاتَبَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ‏:‏ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا الآيَةَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَر ٍ‏:‏ أَفَلاَ تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَنْهَهُمْ عَنْ اللَّهْوِ الَّذِي قَدْ أَبَاحَ مِثْلَهُ فِيمَا كَانَ ذَلِكَ اللَّهْوُ مِنْهُمْ فِيهِ وَكَذَلِكَ اللَّعِبُ الَّذِي قَدْ أَبَاحَهُ فِي الأَعْيَادِ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي مِثْلِهِ مِنْ اللَّهْوِ الَّذِي قَدْ نَهَاهُمْ عَنْهُ فِي غَيْرِ الأَعْيَادِ فَبَانَ بِحَمْدِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ أَنْ لاَ تَضَادَّ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

‏(‏بَابٌ ‏(‏بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم مِنْ قَوْلِهِ إنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه يَقُولُ قَالَ‏:‏ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْهَاشِمِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ قَالَ‏:‏ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ لِنَقِفَ عَلَى الْمُرَادِ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَوَجَدْنَا مَنْ كَانَ يَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ فَإِنَّمَا كَانَ يَطْلُبُ الْجَوَابَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ‏;‏ لأَنَّ الَّذِي كَانَ يُجِيبُهُمْ عَنْهُ بِهِ إنَّمَا هُوَ الَّذِي يُوحِيهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَيْهِ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ ‏{‏وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إلَيْكَ وَحْيُهُ‏}‏ فَأَمَرَهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالاِنْتِظَارِ لِمَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِهِ حَتَّى يُنْزِلَهُ عَلَيْهِ‏.‏

وَمَا نَهَاهُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ كَانَتْ أُمَّتُهُ مَنْهِيَّةً عَنْهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ مَا يَأْتِيهِ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ جَوَابًا عَمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ قُرْآنٍ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى الْقُرْآنِ أَيْضًا وَكَانَ فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ وَكَانَ الْقُرْآنُ يُنَزَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا كَانَ يُنَزَّلُ قَبْلَهُ فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ بِمَعْنَى مَا نُفَرِّطُ فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا كَانَ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ فَنَزَلَتْ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ الآيَةَ فَقَالَ‏:‏ عُمَرُ اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ فَنَزَلَتْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ‏:‏ اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ فَنَزَلَتْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ‏}‏ فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ‏:‏ انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَا‏.‏

حَدَّثَنَاهُ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ وَيُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ قَالاَ‏:‏ ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ وَهُوَ أَبُو مَيْسَرَةَ عَنْ عُمَرَ ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ وَكَانَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ‏}‏ يُرِيدُ بِهِ السُّؤَالَ عَنْ مِثْلِ هَذَا حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُنَزِّلُهُ عَلَى رَسُولِهِ ابْتِدَاءً‏;‏ لأَنَّ الْكِتَابَ الَّذِي هُوَ فِيهِ لاَ يُفَرَّطُ فِيهِ حَتَّى يُجْمَعَ فِيهِ الأَشْيَاءُ كُلُّهَا وَلَمَّا كَانَ السُّؤَالُ عَمَّا ذَكَرْنَا قَدْ مُنِعَ مِنْهُ النَّاسُ كَانَ مَنْ سَأَلَ عَنْهُ مِنْهُمْ ظَالِمًا لِنَفْسِهِ‏;‏ لأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ سُؤَالُهُ ذَلِكَ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَعْنِي الَّذِي لاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ وَكَانَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ ذَكَرَ فِيمَا عَاقَبَ بِهِ الْيَهُودَ بِظُلْمِهِمْ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ‏}‏ الآيَةَ فَكَانَ مَنْ عَادَ سُؤَالُهُ ظَالِمًا غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ أَنْ يَحْرُمَ عَلَيْهِ بِظُلْمِهِ ذَلِكَ مَا قَدْ كَانَ حَلاَلاً لَهُ‏;‏ لأَنَّ الأَشْيَاءَ كُلَّهَا عَلَى طَلْقِهَا وَعَلَى حِلِّهَا حَتَّى يُحْدِثَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِيهَا التَّحْرِيمَ فَتَعُودَ حَرَامًا‏,‏ وَإِذَا عَادَ ذَلِكَ الَّذِي سَأَلَ عَنْهُ السَّائِلُ الَّذِي ذَكَرْنَا حَرَامًا مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ عَلَيْهِ عَادَ حَرَامًا عَلَى النَّاسِ جَمِيعًا فَكَانَ فِي ذَلِكَ عَظِيمَ الْجُرْمِ فِيهِمْ وَلَمْ نَجِدْ لِتَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنًى هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ بِهِ فِيهِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَر ٍ‏:‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ قَائِلٌ فَهَلْ تَدْخُلُ سُؤَالاَتُ عُمَرَ رضي الله عنه الْمَذْكُورَاتُ فِي حَدِيثِ أَبِي مَيْسَرَةَ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى جَوَابَاتٍ لَهَا مَا أَنْزَلَ مِنْ الآيِ الْمَذْكُورَاتِ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَعْظَمُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ‏.‏

قِيلَ لَهُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ هَذَا‏;‏ لأَنَّ حَدِيثَ سَعْدٍ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ سَأَلَ عَنْ مَا كَانَ حَلاَلاً فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ وَعُمَرُ رضي الله عنه فِي حَدِيثِ أَبِي مَيْسَرَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا إنَّمَا سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ قَدْ تَقَدَّمَ تَحْرِيمُ اللَّهِ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَلاَ تَرَاهُ يَقُولُ فِيهِ لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ قَالَ‏:‏ عُمَرُ رضي الله عنه اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ وَذَلِكَ مِنْهُ رضي الله عنه يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ مَا بَيَّنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ جَوَابًا لَهُ فِي أَعْلاَمِ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَانَ عِظَمُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ فِي قُلُوبِهِمْ لِجَلاَلَةِ مِقْدَارِهَا كَانَ عِنْدَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ لِمَا لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الصَّلاَحِ‏;‏ لأَنَّهَا رِجْسٌ وَلأَنَّ فِيهَا إثْمًا كَبِيرًا وَلأَنَّهَا تَمْنَعُ مِنْ الصَّلاَةِ أَلاَ تَرَى أَنَّهُمْ قَدْ كَانَ مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا حَضَرَتْ الصَّلاَةُ يُنَادِي لاَ يَحْضُرَنَّ الصَّلاَةَ سَكْرَانُ‏.‏

حَدَّثَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ السَّلُولِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْت مُنَادِيَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنَادِي إذَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَلاَ يَقْرَبَنَّ الصَّلاَةَ سَكْرَانُ‏.‏

فَأَخْبَرَ رضي الله عنه أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا يَصِيرُونَ بِشُرْبِهَا إلَى حَالٍ يُمْنَعُونَ لأَجْلِهَا قُرْبَ الصَّلاَةِ وَلأَنَّهَا قَدْ كَانَتْ تُوقِعُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ بَيْنَهُمْ إذْ كَانَتْ سَبَبًا لِمَا نَزَلَ بِسَعْدٍ رضي الله عنه عِنْدَ شُرْبِهِ هُوَ وَنَفَرٌ مِنْ الأَنْصَارِ إيَّاهَا وَتَفَاخُرِهِمْ عِنْدَ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ‏:‏ بَعْضُهُمْ الْمُهَاجِرُونَ أَفْضَلُ وَقَالَ‏:‏ بَعْضُهُمْ الأَنْصَارُ أَفْضَلُ فَأَخَذَ لَحْيَ جَزُورٍ فَفَزَرَ بِهِ أَنْفَ سَعْدٍ فَكَانَ أَنْفُهُ مَفْزُورًا‏.‏

حَدَّثَنَا بِذَلِكَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَر ٍ‏:‏ وَفِي ذَلِكَ عِظَمُ مَنْفَعَةِ سُؤَالِ عُمَرَ رضي الله عنه اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمُسْلِمِينَ حَتَّى عَلِمُوا مِنْ أَجْلِ سُؤَالِهِ أَنَّ تَحْرِيمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْخَمْرَ كَانَ عَلَيْهِمْ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ بَقَاءِ حِلِّهَا لَهُمْ إذْ كَانَ حِلُّهَا يُوقِعُ بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ وَالْجِنَايَاتِ مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَتَحْرِيمُهَا لَيْسَ ذَلِكَ فِيهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ ذَلِكَ نِعْمَةٌ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ كَانَ سَبَبُهَا سُؤَالَ عُمَرَ رضي الله عنه إيَّاهُ عَزَّ وَجَلَّ لاَ عُقُوبَةً مِنْهُ إيَّاهُمْ كَانَ بِذَلِكَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِي السَّبَبِ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ بَعْدَ أَنْ نَزَلَ قَبْلَهَا لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ الآيَةَ

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ أَنَّ مِقْسَمًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ‏:‏ لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ بَدْرٍ وَالْخَارِجُونَ إلَى بَدْرٍ قَالَ‏:‏ لَمَّا نَزَلَ غَزْوُ بَدْرٍ قَالَ‏:‏ عَبْدُ بْنُ جَحْشٍ الأَسَدِيُّ أَبُو أَحْمَدَ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ إنَّا أَعْمَيَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَهَلْ لَنَا مِنْ رُخْصَةٍ فَنَزَلَتْ لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الآُوَيْسِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ رَأَيْت مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلْت حَتَّى جَلَسْت إلَى جَنْبِهِ فَأَخْبَرَنَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْلَى عَلَيْهِ ‏{‏لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ فَجَاءَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهُوَ يُمْلِيهَا عَلَيَّ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاَللَّهِ لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ لَجَاهَدْتُ وَكَانَ رَجُلاً أَعْمَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي فَثَقُلَتْ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تَرُضَّ فَخِذِي ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُد الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادٍ مِثْلَهُ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ السَّكِينَةَ غَشِيَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ زَيْدٌ وَأَنَا إلَى جَنْبِهِ‏,‏ فَوَقَعَتْ فَخِذُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَخِذِي فَمَا وَجَدْت ثِقَلَ شَيْءٍ هُوَ أَثْقَلُ مِنْ فَخِذِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ لِي‏:‏ اُكْتُبْ لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ‏.‏

الآيَةَ كُلَّهَا قَالَ‏:‏ زَيْدٌ فَكَتَبْت ذَلِكَ فِي كَتِفٍ فَقَامَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَ رَجُلاً أَعْمَى حِينَ سَمِعَ تَفْضِيلَهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِمَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ خَارِجَةُ قَالَ‏:‏ زَيْدٌ فَمَا قَضَى ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ كَلاَمَهُ أَوْ قَالَ‏:‏ فَمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ قَضَى كَلاَمَهُ فَغَشِيَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السَّكِينَةُ فَوَقَعَتْ فَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي فَوَجَدْتُ مِنْ ثِقَلِهَا الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ مِثْلَ مَا وَجَدْت مِنْهَا فِي الْمَرَّةِ الآُولَى ثُمَّ سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ اقْرَأْ فَقَرَأْت‏:‏ لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فَقَالَ‏:‏ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ فَأَلْحَقْتُهَا فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى مُلْحَقِهَا عِنْدَ صَدْعٍ مِنْ الْكَتِفِ‏.‏

حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ الْقَيْسِيُّ قَالاَ‏:‏ ثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ‏{‏لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ جَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَشَكَا ضَرَارَتَهُ فَنَزَلَتْ ‏{‏غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ غُلَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏,‏ فَقَالَ‏:‏ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنِي فَإِنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ‏؟‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَكَانَهُ ‏{‏غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏;‏ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً فَجَاءَ وَمَعَهُ اللَّوْحُ وَالدَّوَاةُ أَوْ الْكَتِفُ فَقَالَ‏:‏ اُكْتُبْ لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَخَلْفَ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا ضَرِيرُ الْبَصَرِ قَالَ‏:‏ فَنَزَلَتْ مَكَانَهَا لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏.‏

وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ‏}‏ قَالَ‏:‏ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ‏.‏

حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ وَمُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الأَزْدِيُّ قَالاَ‏:‏ ثنا أَبُو عَقِيلٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ قَالَ‏:‏ سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ‏}‏ الآيَةَ قَالَ‏:‏ ابْنُ عَبَّاسٍ أَقَوَامٌ حَبَسَتْهُمْ أَمْرَاضٌ وَأَوْجَاعٌ وَكَانَ أُولَئِكَ أُولِي الضَّرَرِ وَكَانَ الْقَاعِدُ الْمَرِيضُ أَعْذَرَ مِنْ الْقَاعِدِ الصَّحِيحِ‏.‏

حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ أَبِي عَقِيلٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ‏:‏ سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ قَالَ‏:‏ كَانَ قَوْمٌ يَعْرِضُ لَهُمْ أَوْجَاعٌ وَأَمْرَاضٌ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَر ٍ‏:‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ قَائِلٌ أَفَيَكُونُ مَا فِي حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُخَالِفًا لِمَا فِي حَدِيثِ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي قَدْ رَوَيْته فِي هَذَا الْبَابِ‏;‏ لأَنَّ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ نَزَلَتْ‏:‏ لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏,‏ ثُمَّ أُنْزِلَ بَعْدَهَا غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ نَسَقًا فَظَاهِرُهُ يُوجِبُ أَنَّ نُزُولَهَا كُلَّهَا كَانَ مَعًا قِيلَ لَهُ مَا بَيْنَهُمَا اخْتِلاَفٌ‏;‏ لأَنَّ حَدِيثَ مِقْسَمٍ إنَّمَا فِيهِ إخْبَارُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ سَبَبِ نُزُولِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ كَانَ وَحَدِيثُ أَبِي نَضْرَةَ إنَّمَا فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الإِخْبَارُ بِتَأْوِيلِهَا الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَمْرُهَا وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُ وَمِنْ حَدِيثِ مِقْسَمٍ فِي مَعْنًى غَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي فِيهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ كَانَ مَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الآيَةُ فِيهِمَا جَمِيعًا مُؤْتَلِفًا غَيْرَ مُخْتَلِفٍ‏.‏

حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ‏,‏ وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ‏,‏ جَمِيعًا قَالاَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ الْفَلَتَانِ بْنِ عَاصِمٍ الْجَرْمِيِّ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ كُنَّا قُعُودًا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ وَكَانَ إذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ دَامَ بَصَرُهُ مَفْتُوحَةً عَيْنَاهُ وَفَرَّغَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ لِمَا جَاءَهُ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لِلْكَاتِبِ‏:‏ اُكْتُبْ لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً‏,‏ فَقَامَ الأَعْمَى فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا ذَنْبُنَا‏؟‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقُلْنَا لِلأَعْمَى إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُنْزِلَ عَلَيْهِ قَالَ‏:‏ فَبَقِيَ قَائِمًا يَقُولُ أَتُوبُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ لِلْكَاتِبِ اُكْتُبْ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ فَقَالَ‏:‏ قَائِلٌ كَيْفَ تَقْبَلُونَ هَذِهِ الأَخْبَارَ وَتُثْبِتُونَ بِهَا أَنَّ نُزُولَ هَذِهِ الآيَةِ كَانَ فِي الْبَدْءِ لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏,‏ وَفِي ذَلِكَ تَفْضِيلُ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى الْقَاعِدِينَ بِعُذْرٍ‏,‏ وَبِغَيْرِ عُذْرٍ وَالْقَاعِدُونَ بِعُذْرٍ لَمْ يَقْعُدُوا اخْتِيَارًا لِتَرْكِ الْجِهَادِ وَإِنَّمَا قَعَدُوا عَجْزًا عَنْ الْجِهَادِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوِيَ فِي ذَلِكَ فَضْلُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ الْمَعْذُورِينَ وَيَكُونُونَ فِي ذَلِكَ مَعَ الْعُذْرِ الَّذِي مَعَهُمْ كَمَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْقَاعِدِينَ مِمَّنْ لاَ عُذْرَ مَعَهُمْ‏.‏

وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَوُو الضَّرَرِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ فِي الْفِقْهِ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْهُ وَالْقُرْآنُ أَيْضًا نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ يَظُنُّونَ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ سَوَّى فِي ذَلِكَ بَيْنَهُمْ مَعَ الْعُذْرِ الَّذِي مَعَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ مِنْ الْقَاعِدِينَ عَنْ الْجِهَادِ مِمَّنْ لاَ عُذْرَ مَعَهُ وَقَدْ سَمِعُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا‏}‏ وَلَمْ يُؤْتِهِمْ اللَّهُ تَعَالَى الْقُوَّةَ عَلَى الْجِهَادِ وَسَمِعُوهُ يَقُولُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَأَعْظَمُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الأَخْبَارُ عَلَى مَا قَدْ ذُكِرَ فِيهَا‏,‏ وَقَالَ‏:‏ مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ نُزُولُ هَذِهِ الآيَةِ إِلاَّ كَمَا يَقْرَؤُهَا ‏{‏لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ‏}‏ الآيَةَ‏.‏

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ هَذِهِ الآثَارَ الَّتِي رَوَيْنَاهَا آثَارٌ صِحَاحٌ ثَابِتَةٌ لاَ يَدْفَعُ الْعُلَمَاءُ صِحَّتَهَا‏,‏ وَلاَ يَطْعَنُونَ فِي أَسَانِيدِهَا‏,‏ وَلاَ يَخْتَلِفُونَ أَنَّ الآيَةَ الْمَذْكُورَةَ فِيهَا كَانَ بَدْءُ نُزُولِهَا‏:‏ لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ وَأَبَا أَحْمَدَ بْنَ جَحْشٍ لَمَّا ذَكَرَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَجْزَهُمَا عَنْ الْجِهَادِ بِالضُّرِّ الَّذِي بِهِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ‏{‏غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ‏}‏ فَصَارَتْ الآيَةُ لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرَادَهُمَا وَأَمْثَالَهُمَا بِهَذِهِ الآيَةِ مَعَ عَجْزِهِمَا عَنْ الْمَعْنَى الَّذِي فِيهَا مِمَّا يُفَضَّلُ بِهِ الْمُجَاهِدُونَ عَلَى الْقَاعِدِينَ غَيْرِ أُولِي الضَّرَرِ وَلَكِنَّهُمَا ذَهَبَ ذَلِكَ عَنْهُمَا حَتَّى كَانَ مِنْهُمَا مِنْ الْقَوْلِ مَا ذُكِرَ عَنْهُمَا فِي هَذِهِ الآثَارِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِهِ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ إعْلاَمًا مِنْهُ إيَّاهُمَا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُمَا‏,‏ وَلاَ أَمْثَالَهُمَا بِذَلِكَ التَّفْضِيلِ الَّذِي فَضَّلَ بِهِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الأَمْرُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ وَقَدْ سَمِعُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ ‏{‏لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ‏}‏ يَعْنِي فِي تَخَلُّفِهِمْ عَنْ الْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏.‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ قَائِلٌ أَفَيَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ عَنْهُمَا مِثْلُ هَذَا مِنْ مُرَادِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِهَذِهِ الآيَةِ‏؟‏ قِيلَ لَهُ وَمَا تُنْكِرُ مِنْ هَذَا وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فِي الصِّيَامِ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ وَتَلاَهَا عَلَيْهِمْ حَمَلُوهَا عَلَى مَا قَدْ ذَكَرَهُ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ مِنْ حَمْلِهِمْ إيَّاهَا عَلَيْهِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَعْلَمَهُمْ بِهِ أَنَّ مُرَادَهُ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرُ مَا ظَنُّوهُ بِهِ جَلَّ وَعَزَّ‏.‏

كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ النُّمَيْرِيُّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ ‏{‏وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ‏}‏ جَعَلَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ خَيْطًا أَبْيَضَ وَخَيْطًا أَسْوَدَ فَيَجْعَلُهُمَا تَحْتَ وِسَادَةٍ فَيَنْظُرُ مَتَى يَتَبَيَّنُهُمَا فَيَتْرُكُ الطَّعَامَ قَالَ‏:‏ فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ وَنَزَلَتْ مِنْ الْفَجْرِ فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تِبْيَانُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الَّذِي أَرَادَ بِالْخَيْطِ الأَبْيَضِ وَالْخَيْطِ الأَسْوَدِ غَيْرُ الَّذِي ظَنُّوا أَنَّهُ أَرَادَهُ بِهِمَا وَكَذَلِكَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ الطَّائِيُّ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ‏.‏

وَكَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد بْنِ مُوسَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ وَمُجَالِدٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ أَنْبَأَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ قَالَ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ‏{‏وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ‏}‏ عَمَدْت إلَى عِقَالَيْنِ أَحَدُهُمَا أَسْوَدُ فَجَعَلْت أَنْظُرُ إلَيْهِمَا فَلاَ يَتَبَيَّنُ لِي الأَبْيَضُ مِنْ الأَسْوَدِ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْته بِاَلَّذِي صَنَعْتُ فَقَالَ‏:‏ إنَّ وِسَادَكَ لَعَرِيضٌ إنَّمَا ذَلِكَ بَيَاضُ النَّهَارِ وَسَوَادُ اللَّيْلِ‏.‏

أَفَلاَ تَرَى أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ‏}‏ حَمَلُوا ذَلِكَ عَلَى مَا حَمَلُوهُ عَلَيْهِ حَتَّى بَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الَّذِي أَرَادَهُ خِلاَفُ مَا ظَنُّوهُ‏.‏

وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ قِصَّةِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَأَبِي أَحْمَدَ لَمَّا تَلاَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا تَلاَ ظَنَّا أَنَّهُمَا مِنْ الْمَفْضُولِينَ فِيمَا تَلاَهُ عَلَيْهِمَا فَبَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا بِإِنْزَالِهِ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ‏{‏غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ‏}‏ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُمَا‏,‏ وَلاَ أَمْثَالَهُمَا مِنْ ذَوِي الضَّرَرِ وَإِنَّمَا أَرَادَ غَيْرَهُمَا مِمَّنْ لاَ ضَرَرَ بِهِ وَفِيمَا ذَكَرْنَا مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي ذَلِكَ كَمَا قَرَأَهَا مَنْ قَرَأَهَا بِالرَّفْعِ وَهُمْ عَاصِمٌ وَالأَعْمَشُ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ لاَ كَمَا قَرَأَهَا مُخَالِفُوهُمْ‏:‏ غَيْرَ أُولِي الضَّرَرِ‏,‏ بِالنَّصْبِ وَهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَنَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ وَقَدْ كَانَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ ذَهَبَ إلَى قِرَاءَةِ هَؤُلاَءِ الْمَدَنِيِّينَ وَقَالَ‏:‏ مَعَ ذَلِكَ إنَّ الرَّفْعَ وَجْهٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ مُمْكِنٌ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ‏,‏ وَكَذَلِكَ كَانَ الْفَرَّاءُ يَذْهَبُ إلَى صِحَّتِهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَيَقُولُ هُوَ عَلَى النَّعْتِ لِلْقَاعِدِينَ قَالَ‏:‏ وَمَا كَانَ مِنْ نَعْتِهِمْ كَانَ كَذَلِكَ إعْرَابُهُ بِالرَّفْعِ لاَ بِغَيْرِهِ كَمَا قَالَ‏:‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ‏}‏ فَكَانَ نَعْتُهُ إيَّاهُمْ بِمِثْلِ مَا ذَكَرَهُمْ بِهِ مِنْ الْجَرِّ لاَ مَا سِوَاهُ وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

وَقَدْ قَالَ‏:‏ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي السَّبَبِ الَّذِي بِهِ اخْتَارَ‏:‏ غَيْرَ أُولِي الضَّرَرِ‏.‏

بِالنَّصْبِ فَقَالَ‏:‏ وَرَوَى عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ وَاحِدٍ ذَكَرَهُمْ أَنَّ نُزُولَهَا كَانَ عَلَى الاِسْتِثْنَاءِ فَوَجَبَ بِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ مَنْصُوبَةً فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إنَّمَا نَزَلَتْ لِلاِسْتِثْنَاءِ مِمَّا كَانَ نَزَلَ قَبْلَهَا وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْهُمَا فِي سَبَبِ نُزُولِهَا مَا قَدْ رَوَيْنَاهُ فِي ذَلِكَ فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ‏,‏ وَلَوْ كَانَتْ كُلُّهَا نَزَلَتْ مَعًا لَجَازَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى الاِسْتِثْنَاءِ فَيَكُونَ النَّصْبُ فِيهِ أَوْلَى مِنْ الرَّفْعِ وَلَكِنَّهُ إنَّمَا كَانَ الَّذِي نَزَلَ أَوَّلاً مِنْهَا هُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏,‏ وَنَحْنُ نُحِيطُ عِلْمًا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَعْنِ الْقَاعِدِينَ بِالزَّمَانَةِ مَعَ النِّيَّةِ أَنَّهُمْ لَوْ أَطَاقُوا الْجِهَادَ لَجَاهَدُوا وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الْمُجَاهِدُونَ أَفْضَلَ مِنْهُمْ‏;‏ لأَنَّهُمْ جَاهَدُوا بِقُوَّتِهِمْ وَتَخَلَّفَ الآخَرُونَ عَنْ الْجِهَادِ بِعَجْزِهِمْ عَنْهُ وَقَدْ قَالَ‏:‏ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاَللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ‏}‏ ثُمَّ اعْلَمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ السَّبِيلَ عَلَى خِلاَفِ هَؤُلاَءِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ‏}‏‏.‏

وَمَنْ حَمَلَ الأَمْرَ عَلَى غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا كَانَ قَدْ قَالَ قَوْلاً عَظِيمًا وَنَسَبَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إلَى أَنَّهُ قَدْ تَعَبَّدَ خَلْقَهُ بِمَا هُمْ عَاجِزُونَ عَنْهُ وَإِذَا كَانَ نُزُولُ مَا قَدْ تَلَوْنَا عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا كَانَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ ‏{‏غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ‏}‏ تِبْيَانًا لِمَا كَانَ أَنْزَلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الْقَاعِدِينَ الَّذِينَ فَضَّلَ عَلَيْهِمْ الْمُجَاهِدِينَ فَكَانَ الرَّفْعُ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ‏.‏

وَقَدْ سَأَلَ سَائِلٌ فَقَالَ‏:‏ قَدْ كَانَ مِنْ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ مَا كَانَ مِنْ الاِعْتِذَارِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا اعْتَذَرَ بِهِ إلَيْهِ وَقَدْ كَانَ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ عَلَى حَالِهِ الَّتِي اعْتَذَرَ بِهَا إلَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحْمِلُ الرَّايَةَ فِي قِتَالِهِ الْكُفَّارَ فَكَيْفَ لَمْ يَبْذُلْ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ وَهُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ كَانَتْ مَعَهُ رَايَةٌ سَوْدَاءُ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ‏,‏ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ رَأَيْت ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ فِي بَعْضِ مَشَاهِدِ الْمُسْلِمِينَ فِي يَدِهِ اللِّوَاءُ‏.‏

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ يَوْمَ كَانَ مِنْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ لَمْ يَكُنْ يُحْسِنُ يَوْمَئِذٍ حَمْلَ الرَّايَةِ ثُمَّ أَحْسَنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَتَكَلَّفَهُ لَمَّا أَحْسَنَهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَتَرَكَ أَنْ يَتَكَلَّفَهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَمَّا كَانَ لاَ يُحْسِنُهُ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم مِمَّا كَانَ مِنْهُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ مِنْ أَمَانَةِ النَّاسِ جَمِيعًا إِلاَّ الأَرْبَعَةَ الرِّجَالَ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ وَإِلَّا الْقَيْنَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ سَمَّاهُمَا مَعَهُمْ

حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ الْحَفْرِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ‏:‏ زَعَمَ السُّدِّيُّ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ لَمَّا كَانَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلاَّ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَقَالَ‏:‏ اُقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَطَلٍ، وَمِقْيَسَ بْنَ صَبَابَةَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ‏.‏

فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ فَأُتِيَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَاسْتَبَقَ إلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رضي الله عنهما فَسَبَقَ سَعِيدٌ عَمَّارًا وَكَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ فَقَتَلَهُ‏.‏

وَأَمَّا مِقْيَسُ بْنُ صَبَابَةَ فَأَدْرَكَهُ النَّاسُ فِي السُّوقِ فَقَتَلُوهُ‏.‏

وَأَمَّا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ فَرَكِبَ الْبَحْرَ فَأَصَابَهُمْ رِيحٌ عَاصِفٌ فَقَالَ‏:‏ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ لأَهْلِ السَّفِينَةِ أَخْلِصُوا فَإِنَّ آلِهَتَكُمْ لاَ تُغْنِي عَنْكُمْ شَيْئًا هَاهُنَا وَقَالَ‏:‏ عِكْرِمَةُ وَاَللَّهِ لَئِنْ لَمْ يُنَجِّنِي فِي الْبَحْرِ إِلاَّ الإِخْلاَصُ لاَ يُنْجِينِي فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ اللَّهُمَّ إنَّ لَكَ عَلَيَّ عَهْدًا إنْ أَنْجَيْتَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ أَنِّي آتِي مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَأَضَعَ يَدِيَ فِي يَدِهِ فَلاََجِدَنَّهُ عَفُوًّا كَرِيمًا فَنَجَا فَأَسْلَمَ‏.‏

وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَرْحٍ فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ لِلْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إلَيْهِ ثَلاَثًا كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلاَثٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ‏:‏ أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ يَقُومُ إلَى هَذَا حِينَ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِيَ عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلَهُ فَقَالُوا‏:‏ مَا دَرَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ فَهَلَّا أَوْمَأْت إلَيْنَا بِعَيْنِك فَقَالَ‏:‏ إنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ عَيْنٍ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَر ٍ‏:‏ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَمَرَ فِي هَؤُلاَءِ الأَرْبَعَةِ الرِّجَالِ الْمُسَمَّيْنَ بِمَا أَمَرَ بِهِ فِيهِمْ أَمْرًا مُطْلَقًا ثُمَّ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ بِإِسْلاَمِهِمَا فَحَقَنَ ذَلِكَ دِمَاءَهُمَا وَقُتِلَ الآخَرَانِ، عَلَى مَا قُتِلاَ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ الَّذِي ثَبَتَا عَلَيْهِ فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِيهِمْ بِمَا أَمَرَ بِهِ فِيهِمْ مُسْتَثْنًى مِنْ خُرُوجِهِمْ عَنْ السَّبَبِ الَّذِي أَمَرَ مِنْ أَجْلِهِ بِمَا أَمَرَ بِهِ فِيهِمْ إلَى ضِدِّهِ وَهُوَ الإِسْلاَمُ فَكَانَ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءً بِالشَّرِيعَةِ وَإِنْ لَمْ يُسْتَثْنَ بِاللِّسَانِ فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ كَذَلِكَ تَكُونُ أُمُورُ الأَئِمَّةِ بِالْعُقُوبَاتِ مُسْتَثْنًى مِنْهَا مَا يَرْفَعُ الْعُقُوبَاتِ بِالشَّرِيعَةِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَثْنُوا ذَلِكَ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم مِنْ قَوْلِهِ لاَ يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ بَعْدَ الْيَوْمِ صَبْرًا

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ قَالَ‏:‏ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ سَمِعْت مُطِيعًا يَقُولُ‏:‏ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ يَقُولُ لاَ يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ صَبْرًا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ يَعْنِي‏:‏ ابْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ اسْمُهُ الْعَاصِي فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُطِيعًا قَالَ‏:‏ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَمَرَ بِقَتْلِ هَؤُلاَءِ الرَّهْطِ بِمَكَّةَ يَقُولُ لاَ تُغْزَى مَكَّةُ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ أَبَدًا‏,‏ وَلاَ يُقْتَلُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ صَبْرًا بَعْدَ الْعَامِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَر ٍ‏:‏ فَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يَذْكُرْ لَنَا فِيهِ مَنْ رَوَى لَنَا هَذَا الْحَدِيثَ لَفْظَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهِ مُعْرَبًا وَذَلِكَ مِمَّا يَقَعُ فِيهِ الإِشْكَالُ‏;‏ لأَنَّهُ إنْ كَانَ لاَ يُقْتَلُ بِالْحَرَمِ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الأَمْرِ وَفِي ذَلِكَ خِلاَفٌ لأَحْكَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْمَذْكُورَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ‏;‏ لأَنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الْقُرَشِيَّ يُقْتَلُ قَوَدًا إذَا قَتَلَ عَمْدًا وَأَنَّهُ يُرْجَمُ إذَا زَنَى مُحْصَنًا وَحَاشَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ الْحَرْفِ يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الأَحْكَامِ وَلَكِنَّهُ عِنْدَنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، لاَ يُقْتَلُ مَرْفُوعًا فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى الْخَبَرِ كَمِثْلِ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي مَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ لاَ يُلْدَغُ مُؤْمِنٌ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ وَأَتَيْنَا فِي ذَلِكَ بِمَا يُوجِبُ أَنَّهُ عَلَى الْخَبَرِ لاَ عَلَى الأَمْرِ فَغَنِينَا بِذَلِكَ عَنْ إعَادَتِهِ هَاهُنَا‏.‏

فَقَالَ‏:‏ قَائِلٌ فَقَدْ رَأَيْنَا مَنْ لاَ يُحْصَى عَدَدُهُ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ قُتِلُوا فِي الإِسْلاَمِ صَبْرًا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ خُلْفَ لِقَوْلِهِ‏.‏

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ مُرَادَهُ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ لاَ يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ بَعْدَ الْعَامِ صَبْرًا إنَّمَا هُوَ أَنَّهُ لاَ يُقْتَلُ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَامِ قُرَشِيٌّ صَبْرًا عَلَى مَا أَبَاحَ مِنْ قَتْلِ الأَرْبَعَةِ الْقُرَشِيِّينَ الْمَذْكُورِينَ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ عَلَيْهِ عَامَئِذٍ‏;‏ لأَنَّهُ كَانَ قَتْلاً عَلَى مُحَارَبَةٍ‏,‏ قُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ فِيهَا عَلَى الْكُفْرِ وَذَلِكَ بِحَمْدِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَامَئِذٍ فِي قُرَشِيٍّ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَامِ عَادَ كَافِرًا مُحَارِبًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ فِي دَارِ كُفْرٍ إلَى يَوْمِنَا هَذَا‏,‏ وَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏;‏ لأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يُخْلِفُ وَعْدَهُ رُسُلَهُ‏.‏

ومِمَّا قَدْ دَلَّ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي مَكَّةَ كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ الْبَرْصَاءِ قَالَ‏:‏ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ لاَ تُغْزَى مَكَّةُ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ أَبَدًا قَالَ‏:‏ سُفْيَانُ تَفْسِيرُهُ أَنَّهُمْ لاَ يَكْفُرُونَ أَبَدًا‏,‏ وَلاَ يُغْزَوْنَ عَلَى الْكُفْرِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَر ٍ‏:‏ وَكَذَلِكَ مَعْنَى لاَ يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ بَعْدَ الْعَامِ صَبْرًا إنَّمَا يُرَادُ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُمْ لاَ يَعُودُونَ كُفَّارًا يُغْزَوْنَ حَتَّى يُقْتَلُوا عَلَى الْكُفْرِ كَمَا لاَ تَعُودُ مَكَّةُ دَارَ كُفْرٍ تُغْزَى عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ التَّوْفِيقُ‏.‏